عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩

وقد يقال الناطق لما يدلّ على شيء ، وعلى هذا قيل لحكيم : ما الصامت الناطق؟ فقال : الدلائل المخبرة والعبر الواعظة. قوله : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ)(١) إشارة إلى أنّهم ليسوا من الناطقين ذوي العقول. قوله : (قالُوا : أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)(٢) قيل : أراد به الاعتبار. قال الهرويّ : معلوم أنّ الأشياء كلّها ليست تنطق إلا من حيث العبرة. ثم قال : وقد قيل : إنّ ذلك يكون بالصّوت المسموع. وقيل : يكون الاعتبار ، والله أعلم ، بما يكون في النشأة الآخرة. قوله : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ)(٣) أي هو بمنزلة من يشهد نطقا حقّا. ويجوز أن يكون ذلك حقيقة يخلق فيه قوة. وقال بعضهم : حقيقة النطق اللفظ الذي هو كالنّطاق للمعنى في ضمّه وحصره. والمنطق والمنطقة : ما يشدّ به الوسط. وقيل في قول الشاعر (٤) : [من الوافر]

وأبرح ما أدام الله قومي

بحمد الله منتطقا مجيدا

منتطقا جانبا فرسا (٥) لم يركبه. قال الراغب (٦) : فإن لم يكن في المعنى غير هذا البيت ، فإنّه يحتمل أن يكون أراد بالمنتطق الذي شدّ نطاقه كقولهم : «من يطل ذيل أبيه ينتطق به» (٧). وقد قيل : معنى المنتطق المجيد هو الذي يقول قولا فيجيد فيه.

والمنطق والنّطاق واحد ، وهو أن تلبس المرأة ثوبا ، وتشدّ وسطها بحبل. ثم ترسل الأعلى على الأسفل. ومنه الحديث : «فعمدن إلى حجز مناطقهنّ» (٨) هو جمع منطق. وكانت اسماء (٩) تسمى «ذات النّطاقين» لأنها كانت تلبس واحدا ، وتحمل في الآخر الزاد

__________________

(١) ٦٥ / الأنبياء : ٢١.

(٢) ٢١ / فصلت : ٤١.

(٣) ٢٩ / الجاثية : ٤٥.

(٤) البيت لخداش بن زهير ، وهو في المفردات من غير عزو ، وفي اللسان ـ مادة نطق.

(٥) يريد : قائدا فرسا.

(٦) المفردات : ٤٩٧.

(٧) مثل يعزى إلى الإمام علي (رضي) ، أراد : من كثر إخوته اعتز بهم واشتد ظهره ، وضرب المنطقة مثلا لأنها تشد الظهر (المستقصى : ٢ / ٣٦٣).

(٨) النهاية : ٥ / ٧٦.

(٩) هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.

٢٢١

للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في الغار. وقيل : لأنّها شقّت مقنعة لها ، فانتطقت بواحد ، وجمعت سفرة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأخرويّا لها. وكان الخبيث الحجاج يعيّر عبد الله (١) ب : يابن ذات النطاقين ، لذعارته وحسّه. وفي مدح العباس للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) : [من المنسرح]

حتى احتوى بيتك المهيمن من

خندف عليا تحتها النّطق

ضرب النطاق مثلا له في ارتفاعه وتوسّطه في عشيرته ، فجعله في عليا وجعلهم تحته نطاقا.

فصل النون والظاء

ن ظ ر :

قوله تعالى : (ثُمَّ نَظَرَ)(٣) النظر في الأصل تقليب البصر وتوجيهه إلى جهة المنظور ، فهو بمعنى الرؤية. ثم يستعمل في تقليب البصيرة ، فيكون بمعنى التفكّر. قال بعضهم : هو تقلّب البصر أو البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته. وقد يراد به التأمّل والفحص. وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص.

وقوله تعالى : (انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ)(٤) أي تأمّلوا. وقال بعضهم : إذا عدّي بنفسه كان بمعنى الرؤية ، وإذا عدي بإلى كان بمعنى الميل ، وإذا عدي بفي كان بمعنى التفكّر. وقال آخرون : استعمال النظر في البصر أكثر عند العامة ، وفي البصيرة أكثر عند الخاصّة. وقيل ؛ نظرت إلى كذا : مددت طرفي إليه ، رأيته أم لم تره. ونظرت إليه ، أي رأيته وتدبّرته أيضا ، كقوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)(٥).

قوله : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٦) هذا بمعنى الفكرة ،

__________________

(١) يريد عبد الله بن الزبير بن العوام.

(٢) النهاية : ٥ / ٧٥ ، واللسان ـ مادة نطق.

(٣) ٢١ / المدثر : ٧٤.

(٤) ١٠١ / يونس : ١٠.

(٥) ١٧ / الغاشية : ٨٨.

(٦) ١٨٥ / الأعراف : ٧.

٢٢٢

حثّهم على تأمّل حكمته في خلقها وما فيها من عجائب المصنوعات ، وتباين المخلوقات. قوله : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ)(١) نظر الله تعالى [إلى] عباده عبارة عن إحسانه إليهم وإفاضة نعمه عليهم ، وهو متعال عن تقليب الحدقة والحاسّة. قوله تعالى : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ)(٢) أي انتظرونا (٣). وقد قرىء : «أنظرونا» من الإنظار (٤) وهو التأخير ، لقوله : (أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(٥). قوله : (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ)(٦) قال بعضهم : نفى الإنظار عنهم إشارة إلى ما نبّه عليه بقوله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(٧). قوله : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)(٨) أي منتظرين نضجه. قوله تعالى : (وَقُولُوا انْظُرْنا)(٩) أي انتظرنا وتأنّ علينا ، كما تقدّم. ومن ذلك قول أمرىء القيس (١٠) : [من الطويل]

فإنكما إن تنظراني ساعة

من الدهر تنفعني لدى أمّ جندب

أي تنتظراني.

قوله تعالى : (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ)(١١) أي انتظار وتأخير. قوله : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(١٢) أي تبصرون وتشاهدون ذلك ، وقيل : تعتبرون. ويقال : نظره ، أي أعانه. وبه نظرة ، أي مسّ من الجنّ ، وأنشد (١٣) : [من الرمل]

نظر الدّهر إليهم فابتهل

__________________

(١) ٧٧ / آل عمران : ٣.

(٢) ١٣ / الحديد : ٥٧.

(٣) وفي الأصل : انظرونا.

(٤) قرأها كذلك يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة. وقرأها سائر القراء «انظرونا» بتخفيف الألف (معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٣٣).

(٥) ١٤ / الأعراف : ٧.

(٦) ٢٩ / الدخان : ٤٤.

(٧) ٣٤ / الأعراف : ٧.

(٨) ٥٣ / الأحزاب : ٣٣.

(٩) ١٠٤ / البقرة : ٢.

(١٠) الديوان : ٥٣.

(١١) ٢٨٠ / البقرة : ٢.

(١٢) ٥٠ / البقرة : ٢.

(١٣) الشاهد في المفردات : ٤٩٨.

٢٢٣

أي خانهم فأهلكهم مجازا. والنظير : المثيل ، وأصله المناظر ، كأنّه ينظر كلّ واحد منهما إلى صاحبه ، فيناظره ويباريه. والمناظرة : المباحثة والمباراة في النظر ، واستحضار كلّ ما يراه ببصيرته. والنظر اصطلاحا : البحث ، وهو أعمّ عندهم من القياس ؛ فكلّ قياس نظر وليس كلّ نظر قياسا. قوله : (انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)(١) ، أي انتظروا ما تتربّصون به من ظهوركم علينا على زعمكم إنّا منتظرون ما وعدنا ربّكم من نصره ، أو انتظروا ـ كما يزعمون ويقولون ـ انتهاء مدّتنا وتقاصر أمرنا إنا منتظرون ما يقع بكم من العذاب. وقد حقّق الله ما انتظره المؤمنون ، وأبطل ما انتظره الكافرون.

قوله : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ)(٢) أي هل ينظرون إلا نزول العذاب بهم؟ قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ)(٣) قيل : ينتظرون. قوله تعالى : (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)(٤) أي يجازيكم بحسب أعمالكم جزاء من شاهد على العامل. قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(٥) أي مشاهدة تليق بجلاله من غير تكييف ولا تحييز ، كما صرّح بذلك في الأخبار الصريحة. فلو استقصينا الكلام في هذه المسألة لطال الكتاب وخرجنا عمّا نحن بصدده. وقد أتقنّاها في «القول الوجيز» وغيره ولله الحمد. وذكرنا تأويل المعتزلة من أنّ إلى جمع إلّ ، لا حرف جرّ (٦). والجواب عنه قوله : (لَنْ تَرانِي)(٧) فعليك باعتباره. وفي حديث الزّهريّ : «لا تناظر بكتاب الله عزوجل ولا بسنّة رسوله» (٨) قيل : معناه : لا تجعل شيئا نظيرا لهما يقول : لا تتّبع قول قائل وتدعهما. وقال أبو عبيد : لا تجعلهما مثلا لشيء يعرض ؛ كقول القائل لرجل يجيء في وقت يحتاج فيه إليه : (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا

__________________

(١) ١٥٨ / الأنعام : ٦.

(٢) ٤٣ / فاطر : ٣٥.

(٣) ١٥٨ / الأنعام : ٦.

(٤) ١٢٩ / الأعراف : ٧.

(٥) ٢٣ / القيامة : ٧٥.

(٦) كذا قرأنا الجملة.

(٧) ١٤٣ / الأعراف : ٧.

(٨) النهاية : ٥ / ٧٨.

٢٢٤

مُوسى)(١). وفي الحديث : «النّظر إلى وجه عليّ عبادة» (٢). قال ابن الأعرابيّ : تأويله أنّ عليا رضي الله تعالى عنه كان إذا برز قال الناس : لا إله إلا الله ما أشرف هذا الفتى! لا إله إلا الله ما أشجع هذا الفتى! لا إله إلا الله ما أكرم هذا الفتى! وفي الحديث أيضا : «إنّ عبد المطلب كان يمرّ بامرأة تنظر» (٣) أي تتكهّن.

فصل النون والعين

ن ع ج :

قوله تعالى : (وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ)(٤) النعجة : الأنثى من الغنم الضّأن ، والتاء فيها لتأكيد التأنيث ، لأنّ مذكّرها له لفظ يخصّه وهو خروف ، وهما نظير ناقة وجمل. والنعجة أيضا البقرة الوحشية ، وللثور الوحشيّ شاء. وأنشد : [من الخفيف]

قلت إذ أقبلت هرتها تهادى

كنعاج الملاء يعشقن رملا

ويكنّى بالنّعجة عن المرأة ، وهو مراد الآية الكريمة ، وقد ... (٥) أنّ المراد النعجة المعهودة ، وأنّ الخصام وقع في غنم حقيقة. وقد بينّا ذلك في التفسير. ونعج الرجل ، أي أكل لحم ضأن فأتخم. وأنعج : سمنت نعاجه. والنّعج : الابيضاض ، ومنه : أرض ناعجة ، أي بيضاء.

ن ع س :

قوله تعالى : (أَمَنَةً نُعاساً)(٦) النّعاس : مبادىء النوم ، وهو بمعنى السّنّة. قال عديّ ابن الرقاع (٧) : [من الكامل]

__________________

(١) ٤٠ / طه : ٢٠ ، ولم يذكر «ثم».

(٢) النهاية : ٥ / ٧٧ ، والحديث لعمران بن حصين.

(٣) ورواية النهاية : ٥ / ٧٧ : «أن عبد الله أبا النبي ..».

(٤) ٢٣ / ص : ٣٨.

(٥) بياض في الأصل ، ولعل السياق يقتضي القول : وقد قيل ، وقد روي ..

(٦) ١٥٤ / آل عمران : ٣.

(٧) البيت مع غيره في الشعر والشعراء : ٥١٧ ، الأغاني : ٩ / ٣٠٥. قال صاحب الأغاني : وكان أبو عبيدة يستحسن هذا البيت جدا.

٢٢٥

وسنان أقصده النّعاس فرنّقت

في جفنه سنة وليس بنائم

وقال الراغب (١) : النّوم القليل ، كذا قال. وهذا البيت يردّه ؛ فإنه نفى عنه النوم وأثبت له النّعاس. وقيل : النعاس في الآية الكريمة السكون والهدوء ، وعليه حمل قوله عليه الصلاة والسّلام : «طوبى لكلّ عبد نومة» (٢) النّومة : الكثير النّوم. و (نُعاساً) بدل من (أَمَنَةً) أو مفعول له أو به. وله موضوع غير هذا.

ن ع ق :

قوله تعالى : (يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ)(٣) يقال : نعق الراعي بالغنم ينعق نعيقا : إذا صوّت وصاح عليها لترجع. فمعنى الآية : إنّ مثل داعي الكفرة كمثل الراعي الناعق بالغنم ، والغنم المنعوق بها في أنّه لم يحصل للكفرة من الدعاء الهدي الأمثل ما يحصل للغنم من صوت الناعق بها ، وهو سماع الصوت من غير فهم لمعناه. ولذلك قال : (إِلَّا دُعاءً وَنِداءً)(٤). فذكر في أول الآية المدعوّ وحذف الداعي ، وفي آخرها ذكر الداعي وحذف المدعوّ. فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، ومن الثاني لدلالة الأول عليه. وفي الآية أقوال هذا أبينها ، وإليه نحا سيبويه.

ن ع ل :

قوله تعالى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ)(٥) النّعل : ما ينتعله الإنسان ، أي يلبسه (٦) في رجله. وانتعل : لبس نعلا. قال الأعشى (٧) : [من البسيط]

__________________

(١) ٤٩٩ ، المفردات.

(٢) الحديث للإمام علي ، في صفة المؤمن (النهاية : ٥ / ١٣١). والنومة بتحريك الواو كما جاء شرحه ، وبسكونها الخامل الذكر. وروي الحديث في المعنيين. ورواية ابن الأثير : «خير ...».

(٣) ١٧١ / البقرة : ٢.

(٤) تابع للآية السابقة.

(٥) ١٢ / طه : ٢٠.

(٦) وفي الأصل : لبسه.

(٧) البيت للأعشى كما في الديوان : ٥٩. على أن الناسخ خلط بين الصدر المذكور وعجز بيت آخر من جهة ، كما أنه غيّر من العجز من جهة أخرى. والبيتان فيه :

٢٢٦

في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كلّ من يحفى وينتعل

والنعل مؤنثة قال (١) : [من البسيط]

ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد حتى نعله ألقاها

وبه شبّه نعل الفرس ونعل السيف ؛ وهو الحديدة المجعولة في أسفله. وفي الحديث : «كان نعل سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من فضّة» (٢) قال شمر : النعل من السيف الحديدة التي تكون في أسفل قرابه ، ومنه : «إذا ابتلّت النّعال فالصلاة في الرحال» (٣) قيل : هنا ما غلظ من الأرض. وقيل : هي النّعال المعروفة. ويكنّى بالنعل عن الرجل الذليل ، وأنشد للعجاج (٤) : [من الرجز]

ألم أكن ذراعه ونعلاه

قيل : إنّما أمر موسى عليه‌السلام بخلعهما لأنّهما من جلد حمار ميت لم يدبغ. وفي المثل : «أطّري فإنّك ناعلة» (٥) أصله أنّ رجلا كان معه أمتان إحداهما حافية والأخرى منتعلة ، فقال للمنتعلة : أطّري ، أي اسلكي الطّرر ؛ وهي الحجارة ، فإنك ذات نعل (٦). يضرب مثلا لمن تقاعد عن أمر فيه طاقة له به.

ن ع م :

قوله تعالى : (نَعَمْ)(٧) نعم : حرف جواب وتصديق ، ويكون جوابا للنفي والإثبات ؛

__________________

إمّا ترينا حفاة لا نعال لنا

إنّا كذلك ما نحفى وننتعل

في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل

(١) روي البيت للمتلمس في قصة فراره من عمرو بن هند. وهو من شواهد النحو (أوضح المسالك : ٣ / ٤٥).

(٢) النهاية : ٥ / ٨٢.

(٣) المصدر السابق.

(٤) لم نجده في ديوان العجاج.

(٥) فصل المقال : ١٦٩ ، رواه الأصمعي في جلادة الرجل.

(٦) قال أبو عبيدة : أحسبه يعني النعلين غلظ جلد قدميها.

(٧) ٤٤ / الأعراف : ٧ ، وغيرها.

٢٢٧

يقال : ما قام زيد ، فيقال : نعم ، أي ما قام. وقال زيد ، فيقال : نعم ، أي قام بخلاف بلى فإنها لا يجاب بها إلا للنفي كما تقدّم. ويجوز كسر العين ، وهي لغة قرأ بها الكسائيّ. ويجوز إبدال عينها حاء.

قوله : (نِعْمَ الْعَبْدُ)(١) نعم : فعل جامد عند البصريين ، واسم عند الكوفيين بدليل دخول حرف الجرّ عليها ، كقوله : «والله ما هي بنعم المولودة ؛ نصرتها بكاء وبرّها سرقة» (٢) وأنشد (٣) : [من الرجز]

صبّحك الله بخير باكر

بنعم طير وشباب فاخر

وهو مؤوّل عند البصريين ، ويقتضي المدح ، عكس بئس ، ولا يرفعان إلا ما فيه أل أو مضافا لما هما فيه ، أو ضمير نكرة مفسّرة لما بعده ، أو التامّة على رأي. ولا يكون غير ذلك إلا ضرورة. وفيه أربع لغات ، وكذا في كلّ ما كان على وزن فعل ، عينه حرف حلق اسما كان أو فعلا نحو فخذ ونعم وبئس ، وأنشد : [من الرجز]

لو شهد عادا في زمان تبّع

يريد شهد فسكّن العين. قوله : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ)(٤). النعمة : الحالة الحسنة ، وبناء النعمة كبناء الحالة التي يكون عليها الإنسان كالجلسة والرّكبة. قوله تعالى : (وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ)(٥). وقوله : (أُولِي النَّعْمَةِ)(٦) النّعمة : التنعّم ، وبناؤها بناء المرّة من الفعل (٧).

__________________

(١) ٣٠ / ص : ٣٨.

(٢) روى القول ابن الأنباري عن ثعلب عن سلمة عن الفراء ، بأن أعرابيا بشّر بمولودة. فقيل له : نعم المولودة مولودتك! فقال : ... وفي الأصل : «.. بنعم الولد» ، والتصويب من الإنصاف : ١ / ٩٨. وأوردوا كلامه شاهدا على دخول حرف الخفض على نعم ، دلالة على أنها من الأسماء ، عند الكوفيين.

(٣) أنشده الكسائي ، كما في اللسان ـ مادة نعم.

(٤) ٢٢ / الشعراء : ٢٦.

(٥) ٢٧ / الدخان : ٤٤.

(٦) ١١ / المزمل : ٧٣.

(٧) كالضّربة والشّتمة.

٢٢٨

قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)(١) أي أوصلت الإحسان إليهم. فالإنعام : إيصال الإحسان إلى الغير. قال الراغب (٢) : ولا يقال إلا إذا كان الموصل إليه من الناطقين (٣) ، فإنه لا يقال : أنعم فلان على فرسه. قوله : (نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ)(٤). النّعماء مقابل الضّرّاء ، والنّعمى مقابل البؤس. والنعيم : حيث ورد فهو النعمة الكثيرة. وتنعّم : تناول ما فيه نعمة وطيب عيش.

والناعم ضدّ الخشن. قوله : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ)(٥) الأنعام جمع نعم ، والنّعم قال الراغب : وتسميته بذلك لكون الإبل عندهم أعظم نعمة. ثم قال : لكن الأنعام تقال للإبل والبقر والغنم. ولا يقال لها أنعام حتى يكون فيها إبل. وقال في قوله تعالى : (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ)(٦) إنّ الأنعام هاهنا عامّ في الإبل وغيرها. وقال أبو عبيد الهرويّ : «وإنّ لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم ممّا في بطونه» معنى الأنعام النّعم والنّعم ، يذكّر ويؤنّث. ثم قال : الأنعام : المواشي من الإبل والبقر والغنم. فإذا قيل : نعم فهو الإبل خاصة. / وأمّا إفراد الضمير وتذكيره في قوله : (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) فلأنّه في تأويل نعم ، كقول الآخر : [من الرجز]

وطاب ألبان اللقاح وبرد

لأنه في معنى لبن ، وفيه نظر لما قدّمته من أنّ الأنعام شاملة للثلاثة الأنعام ، والنعم لواحد منها خصوصا.

والنّعامى : الريح الجنوب الناعمة الهبوب. والنّعامة : سميت بذلك لشبهها بالأنعام خلقة ، ولذلك أوجبوا في جزاء الصيد فيها بدنة. والنعامة : المظلّة على الجبل أو على رأس البئر ، تشبيها بالنعامة في الهيئة. والنّعائم : منزلة من منازل القمر تشبيها بالنعامة ، نحو

__________________

(١) ٧ / الفاتحة : ١.

(٢) المفردات : ٤٩٩.

(٣) وفي المفردات : من جنس الناطقين.

(٤) ١٠ / هود : ١١.

(٥) ٦٦ / النحل : ١٦.

(٦) ٢٤ / يونس : ١٠.

٢٢٩

النّسر. والنعامة أيضا : باطن القدم ، ويعبّر بها عن الرجل ، وأنشد (١) : [من الكامل]

وابن النعامة عند ذلك مركبي

شبّه رجله بها في السرعة (٢). وقولهم : نعمى عين ، ونعام عين ، ونعمة عين (٣). ومنه الحديث : «نعم ونعمة عين» (٤) فنعم جواب ، ونعمة عين منصوب بمقدّر ، أي : وأجعل لك قرة عين. وفي الحديث : «إنّ أبا بكر وعمر منهم وأنعما» (٥) يعني من أهل علّيين ، «وأنعما» أي زادا. يقال : أحسنت وأنعمت ، أي زدت. قال الراغب (٦) : وأصله من الإنعام ، يعني إيصال النعمة كما تقدّم. وقال الفراء : أي صارا إلى النعيم ودخلا فيه ، نحو أجنب ، أي دخل في الجنوب.

ونعم ينعم بمعنى تنعّم ، ومنه الحديث : «كيف أنعم؟» (٧) أي كيف أفرح؟ والنّعمة : المسرّة ، وتفسيرهم «نعمة الله» في قوله : (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ)(٨) بالدّين والإسلام حسن ، لأنهما أعظم النّعم. قوله : (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ)(٩) أي برّأك الله من ذلك بنعمته ، والباء سببية.

__________________

(١) المفردات : ٤٩٩.

(٢) الضمير عائد على النعامة.

(٣) كلها بمعنى : قرّة عين.

(٤) النهاية : ٥ / ٨٤.

(٥) النهاية : ٥ / ٨٣.

(٦) المفردات : ٤٩٩ ، لكن الراغب قال : «الإنعام إيصال الإحسان إلى الغير».

(٧) النهاية : ٥ / ٨٣.

(٨) ٢١١ / البقرة : ٢.

(٩) ٢٩ / الطور : ٥٢.

٢٣٠

فصل النون والغين

ن غ ض :

قوله تعالى : (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ)(١) أي يحرّكونها تحريك استهزاء. وقيل : الإنغاض : تحريك الرأس نحو الغير كالمتعجّب منه. ويقال : نغض رأسه وأنغضها فنغضت. فنغض متعدّ ولازم ، وفعل وأفعل فيه بمعنى. وفي الحديث : «وإذا الخاتم في ناغض كتفه الأيمن» (٢) يعني خاتم النبوّة. والناغض : غضروف الكتف (٣). وقيل له نغض أيضا. وكذا في رواية (٤) سمي بذلك لتحركه. ومنه سمي الظّليم نغضا لتحريك رأسه عند العدو. وقال : شمر : الناغض من الإنسان أصل العنق ، حيث يحرّك رأسه. ونغض الكتف هو العظم الرقيق على طرفها ، وقال غيره : الناغض : فرج الكتف. ووصف عليّ رضي الله تعالى عنه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «كان نغّاض البطن. فقال له عمر رضي الله تعالى عنه : ما نغّاض البطن؟ قال : معكّن البطن ، وكانت عكنه أحسن من سبائك الذهب والفضة صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٥). وقال عثمان رضي الله تعالى عنه : «سلس بولي ونغضت أسناني» أي قلقت عن منابتها وتحركت ، (٦) يصف نفسه بالطّعن في السّنّ.

فصل النون والفاء

ن ف ث :

قوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ)(٧) هنّ الساحرات ينفثن في عقد يعقدنها. قيل : هنّ بنات لبيد بن الأعصم. وأصل النفث قذف الرّيق القليل من الفم.

__________________

(١) ٥١ / الإسراء : ١٧.

(٢) النهاية : ٥ / ٨٧ ، والحديث لسلمان.

(٣) النّغض والنّغض والناغض.

(٤) مذكورة في النهاية.

(٥) النهاية : ٥ / ٨٧.

(٦) المصدر السابق.

(٧) ٤ / الفلق : ١١٣.

٢٣١

قيل : وهو أقلّ من التّفل. وقال الهرويّ : هنّ السّواحر تنفث ، أي تتفل بلا ريق كما يعمل الرّقاة. ثم نقل عن أبي عبيدة أنّ النفث بالفم شبّه بالنفخ. وأمّا التّفل فلا يكون إلا ومعه شيء من الريق. وفي الحديث : «إنّ روح القدس نفث في روعي» (١) أي ألقى ، وهو مجاز عن النفخ. وقيل : معناه أوحى إليّ ذلك. والرّوع : النفس.

وفي الحديث : «أعوذ بالله من نفخه ونفثه» (٢) قال أبو عبيد : تفسيره في الحديث أنه الشّعر سمي نفثا لأنه شيء ينفث ، أي يلقى من الفم. ومنه : الحية تنفث السّمّ. وفي المثل : «لو سألته نفاثة سواك» (٣) هو ما بقي بين الأسنان فينفثه. وفي المثل : «لا بدّ للمصدور أن ينفث».

ودم نفيث : نفثه الجرح. وفي حديث النّجاشيّ : «ما يزيد عيسى عليه‌السلام على ما يقول هذا» (٤). وفي الحديث : «أنه قرأ المعوّذتين على نفسه ونفث» (٥) أي نفخ في يديه.

ن ف ح :

قوله تعالى : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ)(٦) النّفحة : الفورة. ومنه الحديث : «أول نفحة من دم الشهيد» (٧) أي فورة. وطعنة تفوح ، أي فوّارة. قيل : أصله في الخير. يقال : نفح الريح ينفح نفحا ، وله نفحة طيبة ، أي هبوب من الريح. ثم يستعار ذلك للشّرّ ، قاله الراغب (٨). ونفحته الدابّة : رمته برجلها ، ومنه حديث شريح : «أنه أبطل النّفح» (٩) أي كان لا يلزم صاحب الدابة شيئا إذا نفحت شيئا. ونفح الطيب أي ضاع. ونفحه بالسيف ، كناية عن ضربه به.

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٨٨.

(٢) المصدر السابق.

(٣) مذكور في اللسان ـ نفث. ويقول ابن منظور : النفاثة : الشظية من السواك تبقى في فم الرجل فينفثها.

(٤) النهاية : ٥ / ٨٨ ، وتتمته : «... مثل هذه النّفاثة من سواكي هذا».

(٥) المصدر السابق.

(٦) ٤٦ / الأنبياء : ٢١.

(٧) النهاية : ٥ / ٩٠.

(٨) المفردات : ٥٠٠.

(٩) النهاية : ٥ / ٨٩.

٢٣٢

وقوس نفوح : بعيدة الدّفع للسّهم. والنّفوح من النّوق : التي يخرج لبنها من غير حلب. وأنفحة الجدي معروفة ، وشرطها ألا يشرب الجدي ولا السّخلة لبنا ، فإن شربا كانت كرشا.

ن ف خ :

قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ)(١) النّفخ : نفخ الريح في الشيء ، هذا أصله. ونفخ الملك في الصور عبارة عن نفخه بفيه في الصور الذي فيه أرواح العالم ، فتخرج الأرواح بتلك النفخة فتلبس أجسادها. لقوله : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)(٢). وقرىء : «في الصّور» بفتح الواو جمع صورة. وقيل ذلك في القراءة المشهورة ، وإنّ الصّور جمع صورة ، أي اسم جنس لها. وقوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)(٣) كناية عن الإحياء وجعله ذا روح.

وانتفخ بطنه ، افتعل منه ، أي ارتفع من الريح. واستعير منه : انتفخ النّهار. ورجل منفوخ : سمين.

ن ف د :

قوله تعالى : (لَنَفِدَ الْبَحْرُ)(٤) أي لفني. يقال : نفد ينفد. قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ)(٥) أي من فراغ وفناء. وأنفدوا : فني زادهم. وخصم منافد : إذا خاصم لينفد حجّة صاحبه. يقال : نافدته فنفدته ، أي غلبته.

ن ف ذ :

قوله تعالى : (فَانْفُذُوا)(٦) أي اخرقوا. يقال : نفذ السّهم في الرميّة ، أي خرقها نفوذا

__________________

(١) ٩٩ / الكهف : ١٨ ، وغيرها.

(٢) ٨ / المدثر : ٧٤.

(٣) ٢٩ / الحجر : ١٥ ، وغيرها.

(٤) ١٠٩ / الكهف : ١٨.

(٥) ٥٤ / ص : ٣٨.

(٦) ٣٣ / الرحمن : ٥٥.

٢٣٣

ونفاذا. ونفذ فلان في الأمر نفاذا. ونفذت الأمر تنفيذا ، أي أمضيته. وكذا نفذت الجيش ، ومنه الحديث : «نفّذوا جيش أسامة» (١). والمنفذ : الممرّ النافذ ، وفي الحديث : «أيّما رجل أشار على مسلم بما هو بريء منه كان حقا على الله أن يعذّبه أو يأتي بنفذ ما قال» (٢) أي بالمخرج منه.

وفيه أيضا : «ينفذكم البصر» (٣) قال أبو عبيد : ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلّهم. الكسائيّ : نفذني بصره : تابعني وجاوزني. ابن عون : أنفذت القوم : خرقتهم ومشيت في وسطهم ، فإن جزتهم حتى تخلّفهم قلت : نفذتهم ـ دون ألف ـ. وقال غير أبي عبيد : أراد بخرقهم لاستواء الصّعيد. ويقال : انفذ عنك (٤) ، أي امض.

ن ف ر :

قوله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً)(٥) أي ارحلوا وسافروا. يقال : نفر الشيء عن الشيء ينفر نفورا. ونفر إلى الحرب وغيره ينفر وينفر نفرا. ومنه : يوم النّفر. والاستنفار : الحثّ على النّفر أو النّفور. قوله : (حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ)(٦) قرىء بكسر الفاء بمعنى أنها طلبت أن تنفر ، فمعناها نافر ، / وبفتحها على معنى أنّ غيرها طلب نفورها (٧).

قوله : (أَكْثَرَ نَفِيراً)(٨) أي جمعا وعددا ، وأصله أنّ النّفير والنّفرة جماعة يمكنهم النّفر. وقال أبو عبيد : النّفير جمع نفر نحو عبد وعبيد ، وكلب وكليب. قوله : (وَأَعَزُّ نَفَراً)(٩). النّفر والنّفرة (١٠) والنّفير والنافرة : رهط الرجل الذين ينصرونه ويذبّون عنه. ونفر

__________________

(١) المفردات : ٥٠١.

(٢) النهاية : ٥ / ٩١.

(٣) المصدر السابق ، من حديث ابن مسعود.

(٤) من كلام عمر لفلان ، ومعناه عند ابن الأثير : دعه وجاوزه (النهاية : ٥ / ٩١).

(٥) ٤١ / التوبة : ٩.

(٦) ٥٠ / المدثر : ٧٤.

(٧) قرأها عاصم والأعمش بكسر الفاء ، وقرأها أهل الحجاز بفتحها (معاني القرآن : ٣ / ٢٠٦).

(٨) ٦ / الإسراء : ١٧.

(٩) ٣٤ / الكهف : ١٨.

(١٠) ساقطة من س.

٢٣٤

العضو : ورم. ومنه : «أنّ رجلا تخلّل بالقصب فنفرفوه» (١) وذلك لتباعده وتجافيه والمنافرة : المحاكمة ، ومنه قول زهير (٢) : [من الوافر]

فإن الحقّ مقطعه ثلاث : (٣)

[يمين] ، أو نفار ، أو جلاء

ولما سمع عمر رضي الله تعالى عنه هذا البيت قال : «قاتله الله ما أعلمه بالحكم!» ويقال : نفّر فلان ، أي سمّي باسم غريب شنيع. وقال أعرابيّ : قيل لأبي حين ولدت : نفّر عنه. فسمّاني قنفذا وكنّاني أبا العدا ؛ وذلك أنّهم كانوا يزعمون أنهم إذا سمّوا بذلك نفر عنه الشيطان.

ن ف س :

قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)(٤). النّفس هنا ذات الشيء وجملته ، فقيل : المراد بها الروح ، والناس مختلفون فيها اختلافا شديدا. قال الراغب (٥) : النّفس : الروح في قوله تعالى : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ)(٦). وقال أهل اللغة : النّفس في كلام العرب على وجهين : أحدهما قولك : خرجت نفس فلان ، أي روحه ، وفي نفسه أن يفعل كذا ، أي في روعه. والثاني أنّ معنى النفس حقيقة الشيء وجملته. يقال : قتل فلان نفسه. وقال الأزهريّ : النفس نفسان إحداهما تزول بزوال العقل ، والأخرى تزول بزوال الحياة ، وعليه قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) الآية (٧). والنّفس : الدّم ، وأنشد (٨) : [من الطويل]

تسيل على حدّ الظّبات نفوسنا

وليست على غير الظّبات تسيل

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٩٣ ، من حديث عمر.

(٢) شعر زهير : ١٣٨ ، والإضافة منه.

(٣) يريد : ثلاث خصال. نفار : تنافر إلى رجل حاكم يحكم بينهم. جلاء : أن ينكشف الأمر وينجلي.

(٤) ١٨٥ / آل عمران : ٣.

(٥) المفردات : ٥٠١.

(٦) ٩٣ / الأنعام : ٦.

(٧) ٤٢ / الزمر : ٣٩.

(٨) البيت للسموءل ، كما في ديوانه : ٩١.

٢٣٥

قوله : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها)(١). قيل : النّفس الأولى المعنوية ، والثانية الذات والجملة. وقيل : هما بمعنى ، كأنّه قيل : تجادل عنها ، فأوقع الظاهر موقع المضمر. ويقال : فلان يؤامر نفسه : إذا تردّد بين أمرين (٢).

قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ)(٣) أي ذاته المقدّسة بمعنى عقابه وعذابه ، كقولك : احذر السلطان ، إنما تريد عقوبته وسلطنته. قال الراغب (٤) : نفسه ، أي ذاته. وهذا وإن كان قد حصل من حيث إنّه مضاف ومضاف إليه ، يقتضي المغايرة وإثبات شيئين من حيث العبارة ، فلا شيء من حيث المعنى سواه ، تعالى عن الاثنينية (٥) من كلّ وجه. وقال آخرون : إنّ إضافة النّفس إليه تعالى إضافة الملك ، وعنى بنفسه نفوسنا ، وأضاف إليه على الملك (٦). وهذا وإن صدر عن توقيف من السّلف فحسن ، وإلا فالإقدام على القول به احتمالا خطر عظيم.

قوله تعالى : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)(٧) أي ليتعال المتعالون. وأصل المنافسة مجاهدة النّفس للتشبيه بالأفاضل ، من غير إدخال ضرر على غيره. وشيء نفيس بمعنى منفوس به ، أي مضنون ، وتنفّس الشيء : اتّسع. ومنه قوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ)(٨) ومنه حرف التنفيس عند النحاة ، لأنّ فيه دلالة على طول الزمان وتراخيه عن الحال. والنّفس : الريح الداخل والخارج من البدن من المنخر والفم ، وهو كالغذاء للنفس. وبانقطاع النّفس انقطاع النّفس وبطلانها. ويعبّر عن الفرج بالنّفس ، لأنّ فيه توسعة بعد الكرب. ومنه عند بعضهم : «إني لأجد نفس ربّكم من قبل اليمن» (٩) أي فرجه.

__________________

(١) ١١١ / النحل : ١٦.

(٢) ذكر الناسخ في الأصل : قال الشاعر ، ولم يذكر الشاهد.

(٣) ٢٨ / آل عمران : ٣.

(٤) المفردات : ٥٠١.

(٥) أو الاثنوية.

(٦) يريد : على سبيل الملك.

(٧) ٢٦ / المطففين : ٨٣.

(٨) ١٨ / التكوير : ٨١.

(٩) النهاية : ٥ / ٩٣. وقيل : عنى بهم الأنصار لأن الله نفّس بهم الكرب عن المؤمنين ، وهم يمانون لأنهم من الأزد.

٢٣٦

وفي الحديث : «لا تسبّوا الريح فإنّها من نفس الرحمن» (١) أي مما يفرّج الكرب. ومنه في الدعاء : «ونفّس عنّا وعن المكروبين» (٢). وتنفّست الريح : هبّت. قال الشاعر (٣) : [من الطويل]

فإنّ الصّبا ريح إذا ما تنفّست

على نفس محزون تجلّت همومها

والنّفاس : ولادة المرأة ، والمرأة نفساء ، وجمعها نفاس نحو : عشراء وعشار. وصبيّ منفوس ، أي مولود مع دم النّفاس. وتنفّست المرأة : حاضت. وفي الحديث : «أنه قال لعائشة : أنفست؟» (٤) يروى مبنيا للمفعول ، إلا أنّ أبا عبيد الهرويّ قال : يقال : نفست المرأة ونفست ، أي ولدت. فإذا حاضت قيل : نفست ـ بفتح النون لا غير ـ. ثم روى حديث أمّ سلمة : «كنت معه في الفراش فحضت ، فقال : أنفست؟». وفي الحديث : «ما من منفوسة» (٥) أي مولودة. وفي حديث آخر : «لا يرث المنفوس حتى يستهلّ صارخا» (٦).

وفي الحديث : «نهى عن التّنفّس في الإناء» (٧) وفي آخر : «كان يتنفّس في الإناء ثلاثا» (٨) جمع الناس بينهما بأنّ الأول إذا تنفّس فيه ولم يبنه عن فيه ، لأنّه ربّما يخرج من أنفه وفيه شيء مستقذر ، وأنّ الثاني كان يتنفّس مع إبانته له عن فيه ، وهو حسن. وقرىء : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ)(٩) بفتح الفاء ، أي من أرفعكم وأكرمكم ، وهي قراءة عائشة رضي الله تعالى عنها (١٠). والنّفس أيضا العين ، يقال : أماتته نفس ، أي عين. وفي

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٩٤.

(٢) أي فرّج.

(٣) من شواهد الراغب في المفردات : ٥٠١.

(٤) النهاية : ٥ / ٩٥ ، وفيه الفعل مبني للمعلوم ، والحديث لأم سلمة لا لعائشة كما يأتي.

(٥) المصدر السابق.

(٦) المصدر السابق ، والحديث لابن المسيب ، يريد : حتى يسمع له صوت.

(٧) النهاية : ٥ / ٩٤.

(٨) المصدر السابق ، يعني في الشرب.

(٩) ١٢٨ / التوبة : ٩.

(١٠) مختصر الشواذ : ٥٦.

٢٣٧

حديث ابن سيرين : «نهى عن الرّقى إلا في ثلاث : النّملة ، والحمة ، والنّفس» (١) أي العين (٢).

ن ف ش :

قوله تعالى : (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ)(٣) أي انتشرت وتفرّقت ، من نفشت الصوف ، ومنه : (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ)(٤) أي المنبثّ. وما أبلغ هذا التّشبيه من حيث الصورة والمعنى ؛ فإنّ الجبال جدد بيض وحمر وغرابيب سود ، والصوف المصبوغ ألوانا إذا تطاير ونفش كانت رؤيته غريبة ، فوقع التشبيه في أعلى طباقه.

وإبل نوافش ، أي مترددة ليلا في المرعى دون راع. وقال بعضهم : النّفش : الرعي بالليل خاصة. يقال : نفشت السائمة بالليل وهملت بالنهار (٥) ، أي رعت بلا راع ، وأنفشها صاحبها ، وإبل نفّاش ونوافش. وفي الحديث : «وإن أتاك منتفش المنخرين» (٦) أي واسعهما متطامن المارن (٧) كأنوف الريح.

وفيه أيضا : «مثل كرش البعير يبيت نافشا» (٨) أي راعيا (٩).

ن ف ع :

قوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ)(١٠) أي لم تغن عنهم ولم تجد عليهم. والنفع ضدّ الضّرّ

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٩٦. جعله القتيبي من حديث ابن سيرين ـ وكذا الهروي ـ وهو حديث مرفوع إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) عن أنس.

(٢) أي الإصابة بالعين.

(٣) ٧٨ / الأنبياء : ٢١.

(٤) ٥ / القارعة : ١٠١.

(٥) نفشت : رعت ليلا بلا راع. هملت : رعت نهارا.

(٦) النهاية : ٥ / ٩٦.

(٧) المارن : طرف الأنف أو ما لان من طرفه. طامن ظهره : إذا حناه ، بغير همز.

(٨) النهاية : ٥ / ٩٧.

(٩) يريد بالليل.

(١٠) ٤٨ / المدثر : ٧٤.

٢٣٨

والضّير. وقد قرىء : (إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً)(١) و «ضرّا» (٢). وقد تقدّم الكلام على الضّرّ ومادته. وقال بعضهم (٣) : النفع ما يستعان به في الوصول إلى الخيرات ، وما يتوصّل به إلى الخير فهو خير. ويقال : نفع ينفع نفعا فهو نافع ، وانتفع ينتفع انتفاعا فهو منتفع.

ن ف ق :

قوله تعالى : (أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ)(٤) أي سربا تدخل فيه. والنّفق : الطريق النافذ ، والسّرب في الأرض. ومنه : نافقاء اليربوع ، لبعض حجرته. وقد نافق اليربوع ونفق ، وذلك أنّه يتخذ لحجره أبوابا متعدّدة ، فإذا أمرّ الحارش يده ليأخذه خرج من بعض الأبواب.

ومنه : النّفاق الشرعيّ ، لأنه خروج من الإسلام بضرب من الحيل ، وهو إبطان غير الظاهر ، وهذا شأن المنافق / يظهر الإسلام ويبطن الكفر. قال بعضهم : ومنه النّفاق وهو الدخول في الشرع من باب والخروج من باب آخر. وعليه نبّه بقوله : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٥) أي الخارجون من الشّرع ، والفسق : الخروج ، وجعلهم شرّا من الكفرة حيث قال : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)(٦).

وتنفّقت اليربوع : استخرجته ، وأنشد ثعلب (٧) : [من الوافر]

إذا الشّيطان نفّق في قفاها

تنفّقناه بالحبل التّؤام

وقال ابن الأعرابي : وفي الاعتدال لتسمية المنافق منافقا (٨) ثلاثة أوجه : أحدها أنه

__________________

(١) ١١ / الفتح : ٤٨.

(٢) ضم يحيى بن وثاب وحده الضاد ، ونصبها عاصم (معاني القرآن للفراء : ٣ / ٦٥). وجاء في الإتحاف : ٣٩٦ أن حمزة والكسائي ضما الضاد. والباقون بفتحها. وهما لغتان.

(٣) يريد الراغب ، ولم يذكره. المفردات : ٥٠٢.

(٤) ٣٥ / الأنعام : ٦ ، وذكرها الناسخ خطأ.

(٥) ٦٧ / التوبة : ٩.

(٦) ١٤٥ / النساء : ٤.

(٧) اللسان ـ مادة نفق ، وفيه : قصّع في قفاها. وكلاهما مناسب للمعنى.

(٨) وجاء في هامش س : منفاقا.

٢٣٩

يسرّ كفره ويخفيه. فشبّه بالذي يدخل (النفق وهو) (١) السّرب يستتر فيه. والثاني أنّه نافق كاليربوع ، وذلك أنّ اليربوع له حجران : أحدهما يقال له النافقاء ، والآخر القاصعاء. فإذا طلب من النافقاء خرج من القاصعاء. والثالث أنه شبّه به لمخادعته ، وذلك أنّ اليربوع يحتفر الأرض من تحتها حتى يرقّها جدا ، فإذا طلب من باب جحره عمد إلى ذلك الموضع الذي رقّق ترابه بحفره ودفعه برأسه خارجا. فظاهر جحره أرض ، وباطنه حفر ، فكذلك المنافق ظاهره مؤمن وباطنه كافر.

قوله : (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ)(٢) قال الراغب (٣) : أي الإقتار (٤) ، يقال : أنفق فلان : إذا نفق ماله فافتقر. فالإنفاق كالإملاق في قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)(٥). وقال أبو عبيد : أي خشية الفناء والفساد. وقال قتادة : خشية الفاقة. وحكي : نفق الزاد ينفق : نفد. وأنفقه صاحبه : أنفده. وأنفق القوم : فني زادهم. والظاهر أنّ هذا من باب التّعبير عن المسبّب بسببه ؛ فإنّ الإنفاق سبب الافتقار من الشيء المنفق. وقد قيل : إنّ كلّ ما فاؤه نون وعينه فاء كيفما كانت لامه دلّ على الخروج والذهاب ، وهو أمر مستقرى. ويقال : نفق الشيء : مضى ونفد ؛ إما بالبيع نحو نفق البيع نفاقا ، ونفق القوم : إذا نفق سوقهم ، عكس كسد (٦). وإما بالموت نحو : نفقت الدابّة نفوقا ، أي خرجت روحها. فوقع الفرق بالمصدر.

قوله : (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً)(٧). النّفقة : اسم للشيء المنفق من المال. ثم النّفقة الواردة في القرآن أما واجبة أو مندوبة ، وقد تجري في الأحكام الخمسة. ومن كونها حراما قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(٨)(يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ

__________________

(١) ما بين قوسين ساقط من س.

(٢) ١٠٠ / الإسراء : ١٧.

(٣) المفردات : ٥٠٢.

(٤) وفي الأصل : الافتقار.

(٥) ٣١ / الإسراء : ١٧.

(٦) وفي ح : الكسد.

(٧) ١٢١ / التوبة : ٩.

(٨) ٣٦ / الأنفال : ٨.

٢٤٠